فصل: (سورة الفيل: آية 1)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

قصة أصحاب الفيل:
من القصص العربي الممتاز وهي مطوّلة ذكرها أهل التفسير والسير مطوّلة ومختصرة وخلاصتها أن النجاشي ملك الحبشة وهو أصحمة جدّ النجاشي الذي آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم كان بعث أبرهة أميرا على اليمن فأقام به واستقامت له الكلمة هناك وبنى كنيسة ليصرف إليها الحجاج من مكة فأحدث رجل من كنانة فيها فحلف أبرهة ليهدمنّ الكعبة فجاء مكة بجيشه على أفيال فحين توجهوا لهدم الكعبة أرسل اللّه عليهم ما قصته، وارجع إلى المطولات وكان ذلك عام مولد النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال أبو البقاء العكبري:

سورة الفيل:
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: {أبابيل} قيل هو جمع لا واحد له من لفظه، وقيل واحده أبول كعجول، وقيل واحده أبيل، وقيل أبال، و{ترميهم} نعت الطير، والكاف مفعول ثان، والله أعلم. اهـ.

.قال حميدان دعاس:

سورة الفيل:
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة الفيل: آية 1]

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1)}
{أَلَمْ تَرَ} الهمزة حرف استفهام تقريري ومضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره والفاعل مستتر {كَيْفَ} اسم استفهام مفعول مطلق {فَعَلَ رَبُّكَ} ماض وفاعله والجملة سدت مسد مفعولي {تر} {بِأَصْحابِ} متعلقان بالفعل {الْفِيلِ} مضاف إليه.

.[سورة الفيل: آية 2]

{أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)}
{أَلَمْ يَجْعَلْ} الهمزة حرف استفهام تقريري ومضارع مجزوم بلم والفاعل مستتر {كَيْدَهُمْ} مفعول به {فِي تَضْلِيلٍ} متعلقان بالفعل والجملة مستأنفة لا محل لها.

.[سورة الفيل: آية 3]

{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبابِيلَ (3)}
{وَأَرْسَلَ} ماض فاعله مستتر {عَلَيْهِمْ} متعلقان بالفعل {طَيْرًا} مفعول به {أَبابِيلَ} صفة والجملة معطوفة على ما قبلها.

.[سورة الفيل: آية 4]

{تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)}
{تَرْمِيهِمْ} مضارع ومفعوله والفاعل مستتر {بِحِجارَةٍ} متعلقان بالفعل {مِنْ سِجِّيلٍ} صفة {حجارة} والجملة صفة ثانية لـ: {طيرا}.

.[سورة الفيل: آية 5]

{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}
{فَجَعَلَهُمْ} ماض ومفعوله والفاعل مستتر {كَعَصْفٍ} متعلقان بالفعل وهما في موضع المفعول الثاني {مَأْكُولٍ} صفة عصف والجملة معطوفة على ما قبلها. اهـ.

.فصل في تخريج الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:

قال الزيلعي:
سورة الفيل:
1535- خبر أَبْرَهَة وَالنَّجَاشِي وقصة الْفِيل:
قلت رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من قول ابْن إِسْحَاق أَن أَبْرَهَة بنى كَنِيسَة بِصَنْعَاء وَكَانَ نَصْرَانِيّا وَسَماهُ الْقليس... فَذكره.
1536- قال: «من قرأ سُورَة الْفِيل أَعْفَاهُ الله من الْخَسْف وَالْمَسْخ».
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ أخبرنَا بَاقِل بن أَرقم ثَنَا مُحَمَّد بن شَادَّة ثَنَا احْمَد ابْن الْحسن ثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى ثَنَا سلم بن قُتَيْبَة عَن شُعْبَة عَن عَاصِمَة عَن زر عَن أبي مَرْفُوعا... فَذكره، وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره بسنديه فِي آل عمرَان وَرَوَاهُ الواحدي فِي الْوَسِيط بِسَنَدِهِ فِي يُونُس. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الفيل:
أعد الأحباش جيشا لغزو الكعبة، وتدميرها وإبطال العبادة حولها، وخرجوا من ديارهم على نحو ما قال الله: {بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله}. وضموا إلى جيشهم جملة من الفيلة التي تشارك في المعركة لأول مرة في الجزيرة العربية. وشعر أهل مكة بالعجز عن مقاومة هذه الحملة، ففروا إلى رءوس الجبال تاركين بيت الله وبيوتهم لحكم القدر. كان نصارى الحبشة مخطئين في توجيه هذه الحملة إلى البيت الحرام، ماذا عليهم لو تركوه للعرب يقيمون فيه شعائرهم، كما يقيمون هم شعائرهم في كنيستهم بصنعاء؟ لا يقبل للأحباش عذر في هذا المسلك. على أن هذه الغزوة لقيت مصيرا فاجعا، فقد هاجمتها أسراب من الطير تقذف الرجال بالحجارة. ويفهم من القرآن الكريم أنها حجارة من النوع الذي قذف به قوم لوط، فدمر المدينة وجعل عاليها سافلها. ويحكى المؤرخون أن هذه الأسراب نشرت وباء الجدرى، فأفنى المهاجمين، ومات به قائد الحملة (أبرهة) وهو عائد إلى صنعاء بعد هزيمته الماحقة. وفنى ذلك يقول الله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل}. والأبابيل (الجماعات). والمحفوظ عند الرواة أن خاتم المرسلين ولد عام الفيل، كأن الله حمى مكة ببركته. وبقاء قريش في مكة مكفولة العيش موفورة الأمن. كان تمهيدا إلهيا لظهور الإسلام من أم القرى إلى أنحاء العالم. وإلى هذا تشير السورة التالية. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة الفيل:
ظهر لي في وجه اتصالها بعد الفكرة: أنه تعالى لما ذكر حال الهمزة اللمزة، الذي جمع مالًا وعدده، وتعزز بماله وتقوى، عقب ذلك بذكر قصة أصحاب الفيل، الذين كانوا أشد منهم قوة، وأكثر أموالًا وعتوا، وقد جعل كيدهم في تضليل، وأهلكهم بأصغر الطير وأضعفه، وجعلهم كعصف مأكول، ولم يغن عنهم مالهم ولا عزهم ولا شوكتهم، ولا فيلهم شيئًا فمن كان قصارى تعزُّزه وتقوِّيه بالمال، وهَمز الناس بلسانه، أقرب إلى الهلاك، وأدنى إلى الذلة والمهانة. اهـ.

.تفسير الآيات (1- 5):

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
{بسم الله} الذي له الإحاطة فقدرته في كل شيء عاملة (الرحمن) الذي له النعمة الشاملة (الرحيم) الذي يختص أهل الاصطفاء بالنعمة الكاملة.
لما قدم في الهمزة أن كثرة الأموال المسببة بالقوة بالرجال ربما أعقبت الوبال، دل عليه في هذه بدليل شهودي وصل في تحريقه وتغلغله في الأجسام وتجريفه إلى القلوب في العذاب الأدنى كما ذكر فيما قبلها للعذاب الأكبر الأخفى، محذرًا من الوجاهة في الدنيا وعلو الرتبة، مشيرًا إلى أنها كلما عظمت زاد ضررها بما يكسبه من الطغيان حتى ينازع صاحبها الملك الأعلى، ومع كونه شهوديًا فللعرب ولاسيما قريش به الخبرة التامة، فقال مقررًا منكرًا على من يخطر له خلاف ذلك: {ألم تر} أي تعلم علمًا هو في تحققه كالحاضر المحسوس بالبصر، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم وإن لم يشهد تلك الوقعة فإنه شاهد آثارها، وسمع بالتواتر مع إعلام الله له أخبارها، وخصه صلى الله عليه وسلم إعلامًا بأن ذلك لا يعلمه ويعمل به إلا هو صلى الله عليه وسلم ومن وفقه الله الحسن اتباعه، لما للإنسان من علائق النقصان، وعلائق الحظوظ والنسيان، وقرئ: {تر} باسكان الراء، قالوا جدًا في إظهار أثر الجازم، وكان السر في هذه القراءة الإشارة إلى الحث في الإسراع بالرؤية إيماء إلى أن أمرهم على كثرتهم كان كلمح البصر، من لم يعتن به ويسارع إلى تعمده لا يدركه حق إدراكه.
ولما كان للناظر في الكيفية من التدقيق والوقوف: على التحقيق في وجوه الدلالات على كمال علم الله وقدرته وإعزاز نبيه بالإرهاص لنبوته والتمكين لرسالته لتعظيم بلده وتشريف قومه ما ليس للناظر إلى مطلق الفعل قال: {كيف} دون أن يقول: ما {فعل} أي فعل من له أتم داعية إلى ذلك الفعل، وفعل الرؤية معلق عن {كيف} لما فيه من معنى الاستفهام فلا يتقدم عامله عليه، بل ناصبه فعل، وجملة الاستفهام في موضع نصب بالفعل المعلق {ربك} أي المحسن إليك ومن إحسانه إحسانه إلى قومك بك وبهذه الواقعة الخارقة للعادة إرهاصًا لنبوتك كما- هو معلوم من أخبار الأنبياء المتقدمين فيما يقع بين أيدي نبواتهم من مثل ذلك ليكون مؤيدًا لادعائهم النبوة بعد ذلك، وفي تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالخطاب والتعبير بالرب مع التشريف له والإشارة بذكره التعريض بحقارة الأصنام التي سموها أربابًا لهم، يعلم ذلك منهم علم اليقين من آمن، ومن استمر على كفره فسيعلم ذلك حق اليقين عندما يسلط الله عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم بالبلد الحرام، ويحلها له على أعلى حال ومرام {بأصحاب الفيل} أي الذين قصدوا انتهاك حرمات الله سبحانه وتعالى فيخربوا بيته ويمزقوا جيرانه بما أوصلهم إلى البطر من الأموال والقوة التي منّ عليهم سبحانه وتعالى بها، فحسبوا أنها تخلدهم فبان أنها توردهم المهالك ضد ما حسبوه، وهم الحبشة الذين كانوا غلبوا على بلاد اليمن، بنى أميرهم وهو أبو يكسوم أبرهة بن الصباح الأشرم بيعة بصنعاء وسماها القليس وزن قبيط، وأراد أن يصرف إليها- فيما زعم- حج العرب، فخرج رجل من كنانة فقعد فيها ليلًا- يعني تغوط ولطخها به، فأغضب ذلك الأشرم فسأل فقيل له: نرى الفاعل من أهل البيت الذي بمكة- فحلف: ليهدمنَّ الكعبة، ومن عجائب صنع الله أنه ألهمه سبحانه وتعالى تسميتها هذا الاسم الذي هو مشتق من القلس الذي أحد معانيه أنه ماء خرج من الحلق ملء الفم، فهو مبدأ القيء الذي هو أخو الغائط الذي آل أمرها إليه، فكان سبب هلاكها بهلاك بانيها، وذلك أنه غضب من ذلك فخرج بجيشه لهدم بيت الله الكعبة ومعه أفيال كثيرة منها فيل عظيم اسمه محمود، فقاتله بعض العرب فهزمهم وقتل منهم، فلما دوّخهم دانوا له، فلما وصل إلى المغمس خرج إليه عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، فعرض عليه ثلث أموال تهامة على أن يرجع عنهم، وقيل: بل كانت طلائعه أخذت له مائتي بعير فطلبها منه فقال: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، فزهدت فيك حين تكلمني في مائتي بعير، وتترك كلامي في بيت هو دينكم وفي عزكم؟ فقال: أنت وذاك، فرد عليه إبله فساقها ومضى، وأمر قريشًا أن يتفرقوا في الشعاب ويتحرزوا في الجبال، وأتى عبد المطلب الكعبة فأخذ بحلقة الباب وجعل يقول:
يا رب لا أرجو لهم سواكا ** فامنعهم أن يقربوا قرأكا

- وقال:
لا هم إن المرء يم ** نع رحله فامنع حلالك

لا يغلبن صليبهم ** ومحالهم عدوًا محالك

جروا جميع تلادهم ** في الفيل كي يسبوا عيالك

عمدوا حماك بكيدهم ** جهلًا وما رقبوا جلالك

إن كنت تاركهم وكع ** بتنا فأمر ما بدا لك

ثم ترك الحلقة وتوجه في بعض تلك الوجوه فلما أصبح أبرهة تهيأ للدخول إلى الحرم وعبأ جيشه وقدم الفيل فبرك فعالجوه فلم تفد فيه حيلة، فوجهوه إلى غير الحرم فقام يهرول فوجهوه إلى الحرم فبرك، وكان هذا دأبه في ذلك اليوم فبينما هم كذلك إذا أرسل الله تعالى عليهم طيرًا أبابيل، كل طائر منها في منقاره حجر، وفي رجليه حجران، الحجر منها أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة، فرمتهم بها، فكان الحجر منها يقع في رأس الرجل فيخرج من دبره فهلكوا جميعًا، وأهل مكة ومن حضر من العرب في رؤوس الجبال- ينظرون إلى صنع الله تعالى بهم وإحسانه إليهم- أي أهل مكة- وكان ذلك إرهاصًا لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك كان عام مولده، وقال حمزة الكرماني: وفي رواية: يوم مولده، وكأنه كان سببًا لضعفهم حتى ذهب سيف بن ذي يزن إلى كسرى وأتى منه بجيش فاستأصل بقيتهم- كما هو مشهور في السير، ومأثور في الخبر، ووفدت قريش لتهنئته بالنصرة عليهم، وكان رئيسهم عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، وبشره سيف بأنه يولد له ولد اسمه محمد فأعلمه بأن ولد وأن أباه توفي، فأخبره سيف بأنه النبي المبعوث في آخر الزمان، وأن يثرب مهاجره، وأنه لو علم أنه يعيش إلى زمن بعثته لأتى يثرب وجعلها قراره حتى ينصر النبي صلى الله عليه وسلم بها- ويظهر نبوته.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تضمنت سورة الهمزة ذكر اغترار من فتن بماله حتى ظن أنه يخلده وما أعقبه ذلك، أتبع هذا أصحاب الفيل الذين غرهم تكاثرهم، وخدعهم امتدادهم في البلاد واستيلاؤهم حتى هموا بهدم البيت المكرم، فتعجلوا النقمة، وجعل الله كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيرًا أبابيل، أي جماعات متفرقة، ترميهم بحجارة من سجيل حتى استأصلتهم وقطعت دابرهم فجعلهم كعصف مأكول، وأثمر لهم ذلك اغترارهم بتوفر حظهم من الخسر المتقدم- انتهى.
ولما قرره بالكيفية تنبيهًا على ما فيها من وجوه الدلالة على مقدمات الرسالة، أشار إلى تلك الوجوه مقدمًا عليها تقريرًا آخر جامعًا لقصتهم ومعلمًا بغصتهم فقال: {ألم يجعل} أي بما له من الإحسان إلى العرب لاسيما قريش {كيدهم} أي في تعطيل الكعبة بتخريبها وبصرف الحج إلى كنيستهم على زعمهم وقد كان كيدهم عظيمًا غلبوا به من ناوأهم من العرب {في تضليل} أي مظروفًا لتضييع عما قصدوا له من نسخ الحج إلى الكعبة أولًا ومن هدمها ثانيًا وإبطال وبعد عن السداد وإهمال بحيث صار بكونه مظروفًا لذلك معمورًا به لا مخلص له منه، وهذا مشير إلى أن كل من تعرض لشيء من حرمات الله كبيت من بيوته أو ولي من أوليائه أو عالم من علماء الدين وإن كان مقصرًا نوع تقصير وقع في مكره، وعاد عليه وبال شره «من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب» وإلى أن من جاهر بالمعصية أسرع إليه الهلاك بخلاف من تستر، وإلى أن الله تعالى يأتي من يريد عذابه من حيث لا يحتسب ليدوم الحذر منه ولا يؤمن مكره ولو كان الخصم أقل عباده، لم يخطر للحبشة ما وقع لهم أصلًا ولا خطر لأحد سواهم أن طيورًا تقتل جيشًا دوّخ الأبطال ودانت له غلب الرجال، يقوده ملك جبار كتيبته في السهل تمشي ورجله على القاذفات في رؤوس المناقب.
ولما كان التقدير: فمنعهم من الدخول إلى حرم إبراهيم عليه الصلاة والسلام فضلًا عن الوصول إلى بلده الرسول صلى الله عليه وسلم، عطف عليه أو على {يجعل} معبرًا بالماضي لأنه بمعناه وهو أصرح والتعبير به أقعد قوله؛ {وأرسل} وبين أنه إرسال عذاب بقوله: {عليهم} أي خاصة من بين من كان هناك من كفار العرب، وأشار إلى تحقيرهم وتخسيسهم عن أن يعذبهم بشيء عظيم لكونهم عظموا أنفسهم وتجبروا على خالقهم بالقصد القبيح لبيته فقال تعالى معلمًا بأنه سلط عليهم ما لا يقتل مثله في العادة: {طيرًا} وهو اسم جمع يذكر على اللفظ، ويؤنث على المعنى، وقد يقع على الواحد، ولذلك قال مبينًا الكثرة {أبابيل} أي جماعات كثيرة جدًا متفرقة يتبع بعضها بعضًا من نواحي شتى فوجًا فوجًا وزمرة زمرة، أمام كل فرقة منها طير يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق، قال أبو عبيدة: يقال: جاءت الخيل أبابيل من هاهنا وهاهنا، وهو جمع إبالة بالكسر والتشديد وهي الحزمة الكبيرة- شبهت بها الجماعة من الطير في تضامّها، وفي أمثالهم: ضغث على إبالة، أي بلية على أخرى.
ولما تشوف السامع إلى فعل الطير بهم، قال مستأنفًا: {ترميهم} أي الطير {بحجارة} أي عظيمة في الكثرة والفعل، صغيرة في المقدار والحجم، كان كل واحد- منها في نحو مقدار العدسة، في منقار كل طائر منها واحد وفي كل رجل واحد.
ولما كان الشيء إذا كان مصنوعًا للعذاب كان أشد فعلًا فيه قال: {من سجيل} أي طين متحجر مصنوع للعذاب في موضع هو في غاية العلو كما بين في سورة هود عليه الصلاة والسلام، قال حمزة الكرماني: قال أبو صالح: رأيت تلك الحجارة مخططة بالحمرة.
ولما تسبب عن هذا المرمى هلاكهم، وكان ذلك بفعل الله سبحانه وتعالى القادر على ما أراد لأنه الذي خلق الأثر قطعًا لأن مثله لا ينشأ عنه ما نشأ من الهلاك، قال: {فجعلهم} أي ربك المحسن إليك بإحسانه إلى قومك لأجلك بذلك {كعصف مأكول} أي ورق زرع وقع فيه الأكال وهو أن يأكله الدود ويجوفه لأن الحجر كان يأتي في الرأس فيخرق بما له من الحرارة وشدة الوقع كل ما مر به حتى يخرج من الدبر ويصير موضع تجويفه أسود لما له من النارية، أو أكل حبة فبقي صفرًا منه أو كتبن أكلته الدواب وراثته، ولكنه جاء على ما عليه آداب القرآن كقوله تعالى: {كانا يأكلان الطعام} [المائدة: 75] وهذا الإهلاك في إعجابه هو من معاني الاستفهام التقريري في أولها، فقد تعانق طرفاها، والتف أخراها بأولاها- والله أعلم بمراده. اهـ.